قلعة حلب هي قلعة سورية تقع في مدينة حلب شمال سوريا. تتميز القلعة بضخامتها وتعد من أكبر القلاع في العالم ويعود تاريخ القلعة إلى عصور قديمة ، وتتربع القلعة على تله في وسط مدينة حلب والصعود للقلعة المهيبة المنظر يتم بواسطة درج اومدرج ضخم يمر عبر بوابة مرتفة في الوسط ومقام على قناطر تتدرج في االارتفاع حتى البوابة الرئيسة للقلعة .
يحيط بالقلعة سور شبه دائري وعدد من الابراج التي تعود لحضارات مختلفة ، في داخل القلعة الشامخة نجد امامنا مدينة متكاملة من مباني و كنائس و مساجد وقاعات ومخازن وساحات ومسرح وحوانيت والكثير من الاثار ، وقد عني بالقلعة في عهد السلطان الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين، فأقيمت البوابة الرئيسية وبعض المنشأت داخل القلعة .
يتكون مدخل القلعة الأساسي من بناء ضخم مؤلف من أبواب ودهاليز وقاعات للدفاع والذخيرة، وفي أعلى هذا البناء قاعة كبيرة هي قاعة العرش التي زينت واجهتها بزخارف حجرية رائعة وغرف و قاعات . وعدد من النوافذ الصغيرة والكبيرة تطل على أجمل منظر في حلب القديمة.
تعد قلعة حلب من اجمل وابدع القلاع واكبرها ولها تاريخ حافل بالاحداث فقد كانت منطلق وقاعدة للكثير من الحكام والملوك والقاده وشهدت أهم احداث الشرق من عصر الآراميين وحتى العصر الاسلامي .
لمحة تاريخية عن القلعة
يعود تاريخ تشييد قلعة حلب الى عهد أحد قواد الإسكندر المكدوني إذ اختار ذلك التل الشامخ ليكون معسكراً لجنوده ,ولما احتل الرومان هذه البلاد أضافوا الى القلعة منشآت لاتزال آثارها بادية للعيان ,وأن البيزنطيين من بعدهم تركوا بصماتهم فيها , في حين كان الفرس يعملون فيها الخراب والدمار حين تعصف بها جيوشهم متغلبة على الجيوش البيزنطية , ثم يعود البيزنطيون إليها ليرمموا ماهدمه الفرس ويضيفوا إليها تحصينات وتعزيزات أخرى وفي عام 636م حاصرتها الجيوش العربية , وأخذ الحصار يطول ,وصمدت بفضل تحصيناتها وعتادها الغزير ومؤونتها الوافرة , حتى تمكن الفاتحون من الاستيلاء عليها عن طريق الحيلة والدهاء , وذلك باستيلائهم على أحد أبوابها في بادئ الأمر ,وقد وقع قائدها البيزنطي أسيراً بيد الفاتحين وكان أول من اهتم بالقلعة في العصر الإسلامي الأمير سيف الدولة الحمداني , الذي أمر بعمارتها وتحصينها , وبنى سوراً لمدينة حلب , لأنه كان في صراع عنيف مع البيزنطيين , فأصبحت القلعة مقراً لإقامته وصارت مقراً دائماً للحكام في المدينة من بعده , واستمرت العناية بالقلعة في العهود اللاحقة , فقد بنى نور الدين الزنكي »وهو ينتمي أصلاً الى العهد السلجوقي« أبنية كثيرة فيها وذكر سوفاجيه تفصيلات الأعمال التي نفّذت في عهد نور الدين , إذ رمم كامل القلعة , وأعاد بناء سورها , وبنى فيها مسجداً ,ولكن الإزدهار الكبير الذي شهدته القلعة كان في عصر الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي الذي ترك لنا آثاراً عسكرية معمارية مهمة ,ويقول سوفاجيه : إن القلعة بشكلها الحالي ترجع الى عهد الملك غازي , أي : إلى مابعد سنة 605ه¯/1209م . وقد أشاد المؤرخون بأعمال الظاهر غازي في القلعة , ورأوا أن المجموعة المعمارية والتحصينات التي أقامها تشكل إعجازاً في التحصين في نسق العمارة العسكرية في القرون الوسطى , فقد جدد حصونها , وبنى منحدراتها التي تبدأ من السور وتنتهي في قعر الخندق , بناءً متقناً كالجدران لكي يتعذر التسلق عليها ,وفي العهد المملوكي , جدد عمارتها الأشرف خليل بن قلاوون , ثم جددّ بعض أجزائها السلطان الملك الناصر برقوق .. وكانت آخر الترميمات قد حدثت أيام السلطان قانصوه الغوري آخر السلاطين المماليك , والجدير بالذكر أن الترميمات المملوكية أبقت على شيء من مظاهر القلعة الجميلة .
مراحل تطور القلعة
تعرضت قلعة حلب لغزو المغول بقيادة هولاكو سنة 658هـ/1260م، ولقد هَدَم كثيراً من معالمها، بعد أن وعد بحمايتها إذا ما استسلمت، وتحررت القلعة بعد انتصار العرب على المغول في موقعة عين جالوت. وقام الملك الأشرف قلاوون بترميم ما تهدم منها. ثم جاء تيمورلنك الأعرج سنة 803هـ/1400م، فهدم المدينة والقلعة، وقام المماليك بتحريرها وترميمها. ثم استولى عليها العثمانيون سنة 923هـ/1516م وجاء إبراهيم باشا بن محمد علي باشا من مصر عام 1831، واستمرت خاضعة له حتى عام 1257هـ/1840م وفيها أنشأ الثكنة كما ذكرنا، وجعل القلعة مقراً لجنوده. ومنذ عام 1950 تجري في القلعة ترميمات وتجديدات من قبل المديرية العامة للآثار، كما أجريت فيها حفريات أثرية للتعرف على تاريخ هذه القلعة قبل الإسلام. وأحدث اكتشاف في قلعة حلب، جدار من معبد حدد إله الأمطار والأنواء، وكان معبود جميع شعوب المنطقة ويتألف الجدار من سبعة مشاهد تمثل الإله وكائنات أخرى خرافية بأسلوب فني متميّز. ولقد تبين أن الرابية كانت مقراً لمعابد حثيّة وآرامية، واكتشفت آثار تؤكد ذلك محفوظة في متحف حلب. وفي العصر الإغريقي أصبحت الرابية اكروبول المدينة، واستمرت كذلك حتى اقتحمها العرب المسلمون، وعلى رأسهم خالد بن الوليد، ويقال،تم ذلك بمحاولة عدد من الفدائيين العرب الذين تخفّوا بجلد الماعز، فبدوا قطيعاً يقضم العشب من سفح الرابية، وكان الروم في احتفال وسكر ونشوة، فقتل الفدائيون حامية البوابة، وفتحوا الأبواب بعد إشعال النيران علامة من المهاجمين الذين دخلوا القلعة، وأجلوا من فيها من جند وسكان. واستقر الحكم العربي الإسلامي منذ ذلك الوقت في حلب وقلعتها المنيعة التي صدت هجوم الروم والمغول والتتار، وكان أول من استعملها سيف الدولة الحمداني ثم المرداسيون وبعدهم آل سنقر ثم رضوان بن تتش أصلح فيها، ولكن الأيوبيين هم بناتها كما هي اليوم.
وصف القلعة
تعلو القلعة ما يقرب من أربعين متراً عن مستوى مدينة حلب، ومازالت أسوارها وأبراجها قائمة، يعود بعضها إلى عصر نور الدين زنكي، ويحيط القلعة خندق بعمق ثلاثين متراً. وندخل إلى القلعة من بوابة ضخمة من خلال برج دفاعي مستطيل الشكل، ينتهي بالمدخل الكبير للقلعة، ويتكون من دهليز ينتهي بباب ضخم من الحديد المطرّق، تعلوه فتحات للمرامي والمحارق، ويعود إلى عصر خليل بن قلاوون الذي جدده ورممه. وتعلو الباب قنطرة حجرية عليها نحت ممتد على طولها يمثل ثعبانين برأس تنين.
وبعد اجتياز هذا المدخل نصل إلى دهليز آخر في جدرانه الثلاثة أواوين ضخمة، وفي إيوانه الشمالي باب يتصل بدرج يؤدي إلى قاعة الدفاع، وللقلعة باب رابع خشبي يعلوه ساكف عليه نحت أسدين متقابلين. وبعد اجتياز الباب نمر بمصاطب مرتفعة تتخللها غرف ومستودعات. ثم نصل إلى ممر القلعة الداخلي تتخلله مجموعة من المباني والحوانيت، وثمة درج يؤدي إلى القصر الملكي. وإذا ما تابعنا المسير، فإننا سنصل إلى مسجد إبراهيم الخليل الذي أنشأه الملك الصالح اسماعيل بن محمود بن زنكي سنة 536هـ/1179م. وعلى مدخل المسجد، وعلى جدرانه كتابات تأريخية. ويلي هذا المسجد بناء آخر هو مسجد ذو مئذنة مربعة عالية، أنشئت في عصر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي. وليس بعيداً عن هذا المسجد الذي رمم مؤخراً، تقوم ثكنة عسكرية أنشئت في عصر إبراهيم باشا المصري سنة 1252هـ/1834م. وفي وسط هذه الرابية قاعة كبيرة، نصل إليها من خلال سبعين درجة تحت السطح، كانت تستعمل مستودعاً للحبوب والعلف ومن القصور التي مازالت قائمة، قصر يوسف الثاني حفيد غازي، مزين مدخله بمقرنصات جميلة، وأمامه ساحة مرصوفة بأحجار صغيرة ملونة ذات رسم هندسي بديع. ونتجه من القصر إلى قاعة العرش، ندخلها من بوابة ذات أحجار ملونة، تعلوها مقرنصات، تحتها كتابة تأريخية. ولقد شيدت القاعة في العصر الأيوبي على برجين حول المدخل الخارجي، ثم أكملت ورممت في العصر المملوكي. ثم أضيف إليها في عام 1960 زخارف أثرية خشبية وحجرية. ومن أجمل نوافذ هذه القاعة، نافذة كبيرة ذات شباك مزخرف بصيغ عربية، ومن خلاله تُرى مدينة حلب مترامية الأطراف عند مدخل القلعة، ولقد زخرفت واجهات القاعة الخارجية، بزخارف هندسية حجرية وبأشرطة من الكتابات العربية من أبلغها “قل كلٌّ على شاكلته”. وتحت قاعة العرش هذه، قاعة الدفاع، وتخترق جدرانها كُوى لرمي السهام، وفتحات لسكب السوائل المحرقة على المداهمين والمُحاصرين
إن سور قلعة حلب إهليجي الشكل، تتخلله أبراج بعضها مربع الشكل وبعضها دائري، ويرتفع السور اثني عشر متراً وهو من الحجر الضخم، والسور والأبراج كلها تعود إلى العصور العربية، بدءً من القرن الثاني عشر إلى السادس عشر الميلادي، تؤكد ذلك كتابات منقوشة عليه مازالت حتى اليوم. وسور القلعة مزدوج في أكثر أقسامه، ولقد خرّب في مناسبات كثيرة، ومازال في كثير من أجزائه أنقاضاً تنتظر الترميم. أما الأبراج فإن أبرزها هما برجا المدخل المرتفع وبرج المدخل السابق للجسر. وفي الجهة المقابلة إلى الجنوب برج ضخم ينهض على سفح جدار الخندق المكسو بالحجر، ولقد أنشأ هذا البرج الجميل الأمير المملوكي جكم، ثم جدده السلطان قانصوه الغوري سنة 916هـ/1508م، كما هو منقوش عليه. ويصل الصاعد إلى هذا البرج عن طريق درج ممتد على سفح جدار الخندق ويستمر حتى أسوار القلعة، حيث ينتهي بباب سري كان يستعمله الملك الظاهر غازي للخروج من القلعة إلى قصر العدل، وبعد الباب السري قاعة حمام أمامها ممر رصفت أرضه بأحجار على أشكال هندسية. ويؤدي الممر إلى ساحة يتوسطها حوض ماء، ومازال على جدار الساحة من الشمال بقايا سلسبيل، ومن الجنوب بقايا إيوان كبير، وفي الشرق إيوان صغير، وتكسو الأرض زخرفة حجرية ملونة مازالت بقاياها واضحة. ويقابل البرج الجنوبي الضخم، برج مماثل من جهة الشمال قام بتجديده وترميمه أيضاً، السلطان المملوكي الأخير قانصوه الغوري.
عناصر القلعة
للقلعة عدد من العناصر الرئيسة أهمها :
- الأبراج :
في القلعة عدد من الأبراج وأهمها البرج الأول ,وهو مستطيل الشكل , وقد جدد بناؤه في آواخر عهد المماليك بزمن »قانصوه الغوري« ,وتشهد على ذلك الكتابات المنقوشة عليه ,وتقوم عليه نتواءات لإلقاء القذائف والحمم الملتهبة على المهاجمين ,ويليه بعد مسافة قصيرة البرج الثاني ,وهناك برج السفح الجنوبي الواقع خارج السور , والمرتفع على نصف منحدر سفح القلعة في مسافة متوسطة بين الخندق والسور ويتجه بابه نحو الشمال , وهناك برج السور الشمالي والمتصل بالثكنة التي بناها إبراهيم باشا بواسطة درج ,إضافة إلى برج السفح الشمالي , الواقع خارج السور في منتصف السفح ويتألف من أروقة وإلى الجنوب منه ممر يقودنا الى البرج البارز الكبير في سور القلعة الشمالي , الذي يعود تاريخ بنائه الى القرن الخامس عشر الميلادي
- الأبواب :
للقلعة عدد من الأبواب ,أهمها باب الحيات , وهو باب البرج الرئيس ويتميز بشكله الغليظ , ولكونه مصفحاً بالمسامير الحديدية الضخمة ,وقد زين مصراعاه بشرائط أفقية , وبحدوات الخيل وتعلوه كتابة تشير الى تاريخ ترميمه ويليه باب ثامدي ,وقد زين أعلاه بنقش صورة أسدين متقابلين بينهما شجرة .
وهناك الباب الثالث الذي يقودنا الى ممار القلعة السرية وقنواتها تحت الأرض , ثم الباب الرابع الواقع أمام ضريح »الخضر« ويعلوه نحت بارز على شكل أسدين , أحداهما يضحك , والآخر يبكي ,وهو من إنجازات القرن الثالث عشر الميلادي ,وباب الجبل الواقع شرق باب القلعة والذي انتهت عمارته عام 1214م أما الباب الشمالي فيقع في الطرف الشمالي لسور القلعة ,وباب السر , والذي يؤدي إلى باب الأربعين القريب من حمام السلطان على شفير خندق القلعة من الجهة المقابلة
- القاعات :
يقع في القلعة خمس قاعات رئيسة :
أولاها : قاعة الدفاع الكبرى ,والمؤلفة من حجرات متجاورة تطل مباشرة على مدخل القلعة الرئيس ,وقد زودت بكوات وثغرات بارزة لترمي العدو بحمم القذائف الملتهبة والسوائل النارية والسهام ,وهناك قاعة الدفاع الأولى ,وحجرات الدفاع والمستودعات , وإضافة الى القاعة الكبرى ,والواقعة تحت مستوى أرض القلعة , يقع في زاويتها الشمالية الغربية »كوة« تؤدي الى مستودع كبير كانت تحفظ فيه الحبوب والمؤن ,وعلف الرواحل , أما أهم القاعات وأكبرها فهي قاعة العرش ,وقد بناها قايتباي وكان سقفها مؤلفاً من تسع قباب ترتكز على أربع دعائم ذات زخارف من عهد مملوكي , يقع في جدارها الجنوبي نافذة كبيرة تطل على المدينة ,وهناك ثماني نوافذ صغيرة أخرى موزعة في أرجائها , كما يوجد القصر الملكي ,وهو قصر جميل بابه كبير وفخم تعلوه مقرنصات شيدت بالحجارة السود والصفر على شكل مداميك متساوية ,وأرضه مبلطة بالرخام والمرمر والحجر المصقول , يتوسطه حوض ماء ,وأنشئ في جداره سبيل ماء إضافة إلى وجود حمام مؤلف من تسع حجرات وحجرة عاشرة لخلع الثياب ,وقد جهز بأنابيب مصنوعة من الفخار للمياه الحارة والباردة ويوجد في القلعة مسجد إبراهيم الخليل , الذي شيده نور الدين زنكي عام 1162 م ثم رمم بعد ذلك مرات كثيرة , إضافة الى الجامع الكبير , وثكنة إبراهيم باشا الواقعة الى الشرق من الجامع الكبير , وعدد من صهاريج المياه والآبار .
الاهمية المعمارية العسكرية لقلعة حلب
تعد قلعة حلب من كبرى قلاع العالم وأقدمها , وتقع وسط المدينة القديمة ,وعلى هضبة يصل ارتفاعها الى 40 متراً ,وتتميز بشكل إهليلجي , يحيط بها خندق كانوا يملؤونه بالماء في حالة الحروب والحضارات ويتم الدخول إليها عن طريق مدخل أمامي ذي برج بشرفات دفاعية , وكان هناك في السابق , قبل عهد الظاهر غازي , درج خشبي متحرك يربط بين المدخل الأمامي والخندق ,وهو قابل للرفع في حالات الحرب , ثم تحول إلى درج حجري ثابت .
ومن المؤكد أن مكان قلعة حلب الأساسي هو مرتفع طبيعي أضيف إليه ارتفاع اصطناعي , بحيث أخذ شكل التل العالي المرتفع في وسط المدينة» المركز« , وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن وجود البقايا التي تعود الى العصر الحثي من خلال معبد الإله تيشوب ,ومن ثم معبد الإله حدد الآرامي , وغيره من المعابد التي بنيت في عهود لاحقة , كلها تؤكد وجود القلعة منذ الألف الثاني قبل الميلاد , أو على الأقل وجود المركز »الأكروبول« ,ولكن أقدم المنشآت الباقية إلى الآن تعود الى العصرين الأيوبي والمملوكي , وذلك من خلال الأبراج والأبواب التي شيدت في العصر الأيوبي والتي تم تجديدها في العصر المملوكي